27‏/06‏/2011

الوقاية أو الاجتهاد المغلق

تذهب شريحة كبيرة من الشباب المغربي إلى أن مفهوم الحرام عاجز اليوم لوحده عن كبح الرغبة الجنسية قبل الزواج. لكنه وفي الوقت ذاته شباب يتشبث بالإسلام ويبحث بالتالي عن وسيلة للتوفيق بين الإسلام والجنس قبل الزواج، خصوصا وأن النشاط الجنسي قبل الزواج معرض أكثر فأكثر إلى خطر الأمراض المنقولة جنسيا.
في هذا السياق، يقول شاب مسلم من مدينة أوترخت الهولندية: "على الفقهاء أن يقترحوا حلولا على الشباب… ليس بمقدور الشباب أن يستمسك… وهناك الإيدز…". وفي المغرب، تود بعض الفتيات "أن يكون الإسلام أكثر تفهما وأكثر تحضرا… وأن يعطي الحق لممارسة الجنس دون معاقبة ذلك"، خصوصا وأن معظم الشباب المسلم عاجز عن الزواج اليوم بالنظر إلى تمدد حقبة الدراسة وبالنظر إلى البطالة وعدم القدرة على النفقة والسكن. لذا يقر أحد الشبان أن "على الإسلام أن يسمح للشباب غير المتزوج بنشاط جنسي محمي وذلك بفضل السماح باستعمال الغشاء الواقي".
كيف يمكن إذن للإسلام أن يساهم في حماية الشباب من الأمراض المنقولة؟ كيف يمكن له أن يساهم في الوقاية الحديثة منها؟ كيف يمكن له أن يتجاوز التحريم نظرا إلى عدم واقعيته الراهنة؟ إلى أي حد يمكن له أن يسدل الشرعية على استعمال الغشاء الواقي في العلاقات الجنسية غير الزوجية قصد حماية الصحة الفردية والعمومية؟ هل من حدود للاجتهاد في هذه المسألة؟ أم أن الاجتهاد هنا مغلق بشكل نهائي؟
بالنسبة لبعض الشبان المبحوثين، يكمن الحل الإسلامي في العودة إلى زواج المتعة لأن مقصده هو حفظ الفرج ولأن المرأة فيه زوجة بعقد. يقترح هؤلاء تجاوز نهي الخليفة عمر عن زواج المتعة من أجل حل المشكلة الجنسية في أوساط الشباب. فهل يمكن معاودة النظر في "التحريم السني" لزواج المتعة؟ من الضروري وضع عبارة "التحريم السني" بين مزدوجتين لأن زواج المتعة يشكل إحدى "غرائب الشريعة"، وذلك حسب تعبير الكثير من الفقهاء السنيين أنفسهم، مثل أبي بكر بن العربي. فالمتعة شرعت بآية مدنية هي: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة من الله". أما الآية "والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين"، فإنها آية مكية سابقة يمكن اعتبارها نسخت بالآية المدنية المشار إليها أعلاه. من جهة أخرى، ليس هناك اتفاق على تاريخ ومكان تحريم المتعة من طرف الرسول (ص)، والكل يشهد أن المتعة كانت سارية من عهد رسول الله إلى منتصف خلافة عمر بن الخطاب الذي نهى عنها. يقول الإمام الشافعي بهذا الصدد: "لا أعلم شيئا في الإسلام أحل ثم حرم، ثم أحل ثم حرم غير المتعة". وحتى لو افترضنا أن الدليل القطعي على تحريم زواج المتعة قائم لا لبس فيه لدى أهل السنة (وهو الشيء الذي ينفيه الفقيه صالح الورداني)، فإن ذلك لا يمنع اليوم من الأخذ من الشيعة باعتبارها مذهبا إسلاميا يرى في زواج المتعة حلا ممكنا لأزمة الشباب الجنسية الراهنة، أي حلا من داخل الإسلام نفسه.
صحيح أن جواز زواج المتعة مرتبط بظروف استثنائية خاصة، لكن تلك الظروف تجتمع اليوم في عدم توفر الشروط المادية للنكاح الدائم وفي انتهاء العمل بالرق الجنسي (ما ملكت اليمين). من هذا المنطلق العقلاني والشرعي في آن واحد، يمكن التفكير في تحيين زواج المتعة كحل إسلامي، ولو كان حلا مؤقتا. أليس في تبني زواج المتعة وسيلة لتجنب الزنا كما قال الإمام علي: "لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي"؟ وبديهي أن إيجاز المتعة يعني إيجاز استعمال الغشاء الواقي، أي الحماية من الأمراض المنقولة جنسيا. فهذا الزواج حل وسط، لا نكاح ولا سفاح، يوفق بين القدرة الجنسية والعجز الاقتصادي المميزين لوضع شباب اليوم في العالم الإسلامي.
ويقترح آخرون الزواج العرفي والمقصود به إبرام عقد دون توثيق، وفي بعض الحالات دون إشهار ودون سكن مشترك. ويمكن اعتبار الزواج العرفي حلا دينيا للصيام الجنسي الناتج عن انتهاء الرق الجنسي وعن استحالة الزواج لأسباب اقتصادية وعن تحريم الزنا وتجريم العلاقات الجنسية غير الزوجية. إنه إلى حد ما البديل السني لزواج المتعة عند الشيعة إلا أنه زواج يعقد على وجه الدوام خلافا لزواج المتعة[1]. ظاهريا، يستوفي الزواج العرفي كل شروط النكاح السني الصحيح بيد أن أولوية المتعة فيه بالإضافة إلى عدم الرغبة في الإنجاب مميزات تقربه من زواج المتعة. ويتم الزواج العرفي بين الشباب في حفلات سرية تجنبا لغضب الآباء، أو في الأوساط الطلابية الإسلاموية.
ويرى آخرون أن اللجوء إلى هذه الأشكال من الزواج ليس ضروريا وأن على الفقهاء أن يقوموا باجتهاد يبيح علاقات جنسية قبل زوجية محمية. يقترح هذا الاتجاه تعليق العمل بكل الآيات المحرمة للجنسانية قبل الزوجية نظرا لمميزات "ظرف الحداثة الدائم". فأمام تعذر الاستمساك والنفقة والسكن، لا بد من إباحة نشاط جنسي محمي. يقول شاب مسلم من فرنسا: "إذا مارس شاب الجنس قبل الزواج، فإن ذلك حرام… وعليه على الأقل أن يستعمل غشاء واقيا لكي لا يراكم شرَّيْن".
ويذهب مهندس معماري إسلاموي من فاس في نفس الاتجاه فيقول: "الحل الأصلي هو الاستمساك، لكن وبالنظر إلى استحالة مراعاة ذلك الحل نظرا لظروف حياة شباب اليوم، يغدو الغشاء الواقي حلا مؤقتا، في انتظار حل مشاكل الأمية والفقر والبطالة، أي في انتظار تمكين الشباب من الزواج". إنه في نظر هؤلاء حل استثنائي في ظروف استثنائية.
ما هو موقف الإسلامويين والفقهاء من مطلب الشباب المسلم في حماية نشاطهم الجنسي من خطر الأمراض المنقولة جنسيا؟
في جريدة "الصحوة"، يذهب عبد الرزاق المروري[2] إلى أن الإيدز هو عقاب الله ضد الزنا. وبالتالي لا بد من مطالبة الشباب بالعودة إلى الإسلام، وليس محاربة الإيدز بفضل الغشاء الواقي كما تفعل وزارة الصحة والجمعيات التابعة لها. إن دعوة الشباب إلى استعمال الغشاء الواقي تعني، في نظر المروري، دعوته إلى الفحشاء والمنكر: "إن الغشاء الواقي هو ناقل عدوى الزنا والفساد". لا بد من التذكير هنا بأن المؤسسات الحكومية في المغرب لا تقول فقط للشباب باستعمال الغشاء الواقي. فهي تخير الشباب بين الاستمساك من جهة وبين الإخلاص أو الغشاء الواقي من جهة أخرى (في حالة الإقدام على ممارسات جنسية).
ويؤاخذ المروري على المؤسسات أنها لا تقول صراحة للشباب أن العلاقات الجنسية غير الزوجية محرمة شرعا. هل من صلاحية وزارة الصحة أن تقول أن الجنسانية قبل الزوجية حرام؟ أليست هذه مسألة تقنية من اختصاص وزارة أخرى أو تخص قناعات الفرد الشخصية؟ أليس على وزارة الصحة تبيان الحلول التقنية لاجتناب فيروس الإيدز، وهي ثلاثة بالضبط، الاستمساك، الإخلاص، الغشاء (فيما يخص نمط الانتقال الجنسي)؟
أما الفقهاء الذين استجوبناهم في هذه المسألة، فأول رد-فعل عفوي لديهم كان هو عدم قبول مسألة حماية النشاط قبل الزوجي من الأمراض. فبالنسبة إليهم، المسألة محسومة من أصلها لأن الجنسانية قبل الزوجية أصلا محرمة شرعا. من أجل ذلك، ذهب رئيس جامعة القرويين في فاس إلى أن طلب الشباب غير مقبول ولا يمكن أن نطلب من الاجتهاد الفقهي أن يخدم الزنا ويحميه من المخاطر التي تحيط به. في نظره، لا مجال لمناقشة إمكانية حماية الناشطين جنسيا خارج الزواج أو قبله. ولا مجال لاجتهاد أمام النص، بل أمام نصوص تحرم الزنا صراحة وقطعا.
رغم هذا الرد المبدئي الصارم، الناتج عن اعتبار الواقع زيفا وزيغا وعن إرادة عدم إدراك الواقع (كما هو) ، سألنا عميد كلية الشريعة عن إمكان الاستنجاد بالقاعدة الأصولية القائلة أن "الضرورة تبيح المحظورات". فهل يمكن اعتبار محاربة فيروس الإيدز ضرورة تبيح استعمال الغشاء الواقي في كل علاقة جنسية، وخصوصا في العلاقات المعرضة أكثر لخطر ذلك الفيروس؟ كان رد العميد أن تلك القاعدة لا تستعمل إلا بعد وقوع المحظور ولا يمكن أن تتحول إلى مبدأ عام لصياغة قانون قبلي ينظم السلوكيات البعدية. فلا بد من وقوع المحظور أولا ثم تحليل أسباب وقوعه لكي يقول الفقيه قوله في جواز السلوك الخارق للمحظور استثناء. ثم إن الضرورة تعني، على مستوى تلك القاعدة، ضرورة تجنب الموت. في هذه الحالة، ولوحدها، يجوز شرب الحد الضروري من الخمر أو أكل الحد الضروري من لحم الخنزير أو لحم الميتة (قصد تجنب الموت). من هنا، يتجلي بوضوح في نظر العميد أن عدم إشباع النزوة الجنسية شيء غير مميت، وبالتالي فهو ليس ضرورة بإمكانها أن تبيح المحظورات. لا يمكن، حسب رأيه، أن يقول الفقهاء للشبان ما يلي: "من لم يستطع منكم الصيام أو الزواج، فليقم علاقة جنسية في حدودها الدنيا الضرورية، وليحمها بفضل الغشاء الواقي".
أمام هذا الجواب، اقترحنا على العميد القاعدة الأصولية التي توصي باختيار أقل المحظورين ضررا. وهنا كان جواب العميد سلبيا أيضا بحيث أن تلك القاعدة تعني بدورها الاختيار بين الموت وأكل لحم الخنزير أو لحم الميتة، بين الموت وشرب الخمر. لكن السيد العميد لم يذكر إجازة بعض الفقهاء للبغاء في حالة امرأة تعاني من الفقر والجوع. في هذه الحالة، أجاز الفقهاء بغاء المرأة لأنه محظور أقل ضررا من موتها. وعند تذكيرنا له بهذه الإباحة، أجاب العميد أنه لا يمكن انطلاقا من ذلك المثال استخراج قانون يبيح البغاء لكل امرأة قصد تجنب الموت. فبغاء المرأة لا يباح هنا لذاته وإنما كوسيلة للحصول على مال. والسؤال المطروح هنا هو التالي: ما هو حكم الزبون الذي ينقذ المرأة من الموت من خلال إعطاءها أجرا مقابل خدماتها الجنسية؟ هل يُحَدُّ؟ هل على تلك المرأة المحتاجة المضطرة أن تطلب من الزبون وضع الغشاء الواقي؟
رغم هذه التساؤلات المقلقة، ارتأى الفقهاء المستجوبون أن ممارسة الجنس ليست ضرورة وليست محظورا أقل ضررا تجب حمايته. فسياق الإيدز لا يفرض أبدا على الفقهاء أن يحموا الجنسانية غير الزوجية من خطر المرض. ولا يمكن أبدا، حسب الفقهاء، القول أن الجنسانية المحمية (بفضل غشاء) أقل ضررا من الجنسانية غير المحمية. إن الحماية الإسلامية تكمن في نظرهم في المداومة على الصلاة وعلى الصيام المقويين للنفس، والمُضعِفيْن للنزوة الجنسية. ويعني الصوم صوم النظر أيضا، والمقصود به هنا عدم النظر إلى النساء، ومن ثم حث المرأة على وضع الحجاب حتى تفتأ عن إثارة الفتنة في قلوب الرجال. من هذا الطرح، يتبين كما لو أن الرغبة الجنسية مرتبطة بالرجل لوحده وأن المرأة موضوع رغبة ولا رغبة لها. فهل ينبغي أن نفهم أن صوم النظر خاص بالرجل لوحده؟ على كل حال، وفي إطار هذا المنطق الذكوري، يشكل الصوم حلا انتظاريا يجنب الزنا إلى حين التمكن من الزواج، وهو ما ينبغي أن يسهر عليه الأغنياء في المجتمع باسم التكافل الذي أوصى به الإسلام.
في نهاية المطاف، يلتقي الفقهاء مع الإسلامويين في رفض موقف وزارة الصحة الداعي إلى استعمال الغشاء الواقي لحماية العلاقات الجنسية غير الزوجية من خطر الإصابة. فالرهان في نظر الفقيه والإسلاموي على حد سواء هو تغيير المجتمع ودفعه إلى احترام الشريعة، ولا يكمن أبدا في تكييف الإسلام مع الحداثة بفضل تعنيف النصوص. وقد أنهى الفقهاء المستجوبون مداخلاتهم بالتذكير بأن مقاومة الإيدز لكل دواء أمر يعني أنه من عند الله ليعاقب مرتكبي الفواحش. وقد ذهب بعضهم إلى القول بضرورة رجم الزاني كيفما كان وضعه الزوجي، بمعنى أنهم أوصوا برجم الزاني غير المحصن أيضا.
تبين هذه المعطيات الميدانية أن الإيدز والمشكلة الجنسية لدى الشباب ليسا سببين شرعيين يدعوان الفقيه إلى الاجتهاد. فالفقيه يرفض ممارسة الاجتهاد لحماية جنسانية حرمها الله. على عكس ذلك، يرى الفقيه أن الجنسانية قبل الزوجية ينبغي أن تظل مرتبطة بخطر الأمراض لكي يبتعد عنها الشباب، والمسلمون بصفة عامة. فالحل الإسلامي لا يستهدف الإيدز، وإنما الجنسانية غير الزوجية، وهي الشر الأعظم. وقد ذهب أحد الفرنسيين المبحوثين، وهو من معتنقي الإسلام، إلى أن الفوضى الجنسية الراهنة ممر اختباري إلى النظام الإلهي، وأن الإيدز فرصة إلى العودة إلى الله.
لا بد من القول أن فقهاء فاس يدركون الجنس من خلال ثنائية الحلال والحرام فقط. أما الثنائيات الأخرى مثل ثنائية الجنس النفعي والجنس الضار أو ثنائية الجنس السليم والجنس المريض فغائبة عن وعيهم وتحليلهم. والواقع أن ثنائية الحلال-الحرام لا تستوعب كل غنى الجنسانية، ولا تختزل الجنسانية كما يعيشها الفاعل الاجتماعي في الواقع، اليوم وهنا. ذلك أن الفقيه لا يهتم بتحيين منظوره إلى الجنسانية، فهمه الأساس هو الامتثال إلى معيار ما فوق تاريخي (حسب اعتقاده) وحث الناس على نفس الامتثال. وهو ما يجعله يقف عند إدراك الجنسانية قبل الزوجية من خلال مقولة الحرام، ويرفض إدراكها بفضل مقولة الضرورة، كمفهوم موسع.
وفي هذا تفقير للفقه من حيث هو إرادة لتدبير شؤون المجتمع المتغير باستمرار. وبدورها، تظل مقولة "الضرورة" عند الفقيه سجينة تعريفها الكلاسيكي، بمعنى أن الضرورة تعني في نظر الفقهاء المعاصرين أيضا ضرورة اجتناب الموت فقط، غير آخذين بعين الاعتبار المكاسب العلمية التي وسعت مفهوم الضرورة بفضل تحويل الصحة إلى "حالة رفاه بدني وعقلي ونفسي واجتماعي، وليس مجرد خلو الجسم من المرض أو العاهة". ودون الارتقاء إلى تبني هذا المنطق الحداثي، لنذكر أن الفقهاء القدامى أباحوا محظور إتيان البغاء من أجل تجنب الموت. فلماذا لا يقتفي الفقهاء المحدثون هذا الأثر ويقولون بإباحة استعمال الغشاء الواقي من أجل تجنب الموت، ولو في إطار علاقة جنسية غير زوجية؟ ذلك أن إرضاء الرغبة الجنسية أصبح اليوم ضرورة من أجل تحقيق الرفاه البدني والعقلي والنفسي والاجتماعي للفرد بغض النظر عن وضعه الزوجي وعن اتجاهه الجنسي. آن الأوان لتجاوز تعريف إسلامي ضيق للضرورة وللصحة، لأن التشبث بذلك التعريف يوقع في موقف إسلاموي يجعل الإسلام يصطدم مع ضرورات تاريخيته. آن الأوان لتحرر الفقهاء المعاصرين من وساطة القدامى من أجل اجتهاد جديد يراعي الجديد في مقولة الضرورة.
واضح أن إرادة التقليد التي تميز فقهاء فاس تنبع من موقع دفاعي تخندقوا فيه بسبب الهجمة الإسلاموية عليهم (وعلى الحداثة). ومن ثم وجدوا أنفسهم مضطرين لاتخاذ مواقف ترفض حماية الجنسانية غير الزوجية من خطر الإيدز. فلا يمكن لهم الظهور بمظهر الفقيه المتنور الذي يساير تطورات العصر مخافة من فقدان مصداقيتهم أمام جماهير أمية تتعمق أميتها يوما بعد يوم. ثم إن تقليدانية فقهاء فاس ترتبط بالخصوص بتبعية الفقيه المغربي بشكل عام إلى النظام السياسي بعد تحويله إلى موظف عمومي. وبالتالي لن يجرؤ الفقيه الموظف على الاجتهاد في اتجاه حماية الجنسانية غير الزوجية إلا إذا طلب منه النظام ذلك. فهل بدأ هذا الاتجاه يبزغ في المغرب عند إقدام بعض الجمعيات تحت إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تحسيس أئمة المساجد بطبيعة الأمراض المنقولة جنسيا؟ هل يعني ذلك أول خطوة في إشراكهم في الوقاية بمعناها الحداثي؟ أليس من الضروري البدء بتحديث الفقه في هذا الميدان قبل تكليف الأئمة بتبليغ رسالات الدولة عبر الخطب؟ واضح أن معرفة إمام المسجد بطبيعة الأمراض المنقولة جنسيا ليست كافية البتة لإقناعه بالمشاركة في حماية الجنسانية قبل الزوجية. ومن المؤكد أن مدبري الإسلام يقومون بالاجتهاد الملائم والضروري عند تواجدهم في دولة علمانية لا تستمد شرعيتها من الإسلام، أي في دولة تترك الناس والفقهاء أحرارا في أنماط التدين.

[1] وقد انتقد زواج المتعة من طرف معارض إيراني في "المجلة" (السعودية) تحت عنوان "زواج المتعة جائز لبنات الفقراء، حرام لبنات رجال الدين" (المجلّة، رقم 831، 20 يناير 1996). ويعتبره مثقفون إيرانيون من الداخل مجرد غطاء شرعي للبغاء. لكن المدافعين عنه يرون أن هدفه الشرعي هو المتعة وليس تأمين دخل وينصحون باللجوء إليه كدواء وليس كطعام، أي فقط عند الحاجة الملحة. وتمارس بعض النساء المتعة لعصيان أمر عمر بن الخطاب بتحريم المتعة، أي إرضاء لله (ضد عمر).
[2] عبد الرزاق المروري : "وداويني بالتي كانت هي الداء"، الصحوة، عدد 52، شتنبر 1996.

الاتجار بالبشر : تجارة رائجة

أجبرت هبة عندما كان عمرها 11 عاما، على الزواج من قريبها. وفي اليوم التالي تمّ نقلها من بغداد إلى الحدود مع سوريا وبيعت لتجّار الجنس. وفي دمشق، أجبرت على الرقص في النوادي الليلية والمنازل الخاصة. وبعد أربع سنوات من ذلك، ألقت السلطات السورية القبض عليها بتهمة البغاء وكانت حاملا آنذاك.
وعندما وجدتها المفوضية السامية للأمم المتحدة، كانت هبة على وشك أن ترحل إلى العراق. فتولت المفوضية ترتيبات توطينها في كندا حيث وضعت مولدا ذكرا أسمته زمان. وقالت عن اختيارها لهذا الاسم: لقد اسميه كذلك نسبة إلى الزمان الذي لم أنعم به..
هذا لسان حال 27 مليون إنسان، 80% منهم من النساء والأطفال يعيشون في ظلّ العبودية الحديثة أو ما يعرف بتجارة البشر، إذ أصبحت تجارة البشر أكبر تجارة لا شرعية في العالم، حيث تقدّر منظمة العمل الدولية قي آخر تقرير لها أرباح استغلال النساء والأطفال جنسيا بـ28 مليار دولار سنويا، كما تقدر أرباح العمالة الإجبارية بـ32 مليار دولار سنويا، وتؤكد المنظمة أن 98% من ضحايا الاستغلال التجاري الإجباري للجنس هم من النساء والأطفال. ويتعرض حوالي 3 ملايين إنسان في العالم للاتجار بهم، بينهم 1.2 مليون طفل. ويتمّ الاتّجار بطفلين على الأقل في الدقيقة للاستغلال الجنسي أو العبودية. كما يتنقل ما يتراوح بين 45 ألف - 50 ألف من الضحايا إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنويا.
إن الاتجار بالبشر ليس جديدا ولكنه مشكلة تتصاعد بشكل سريع، إذ شهد المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة ازديادا في وتيرة حدوثها. وفي هذا الإطار يشير السيد بينوار لاتشي، رئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنع جريمة الاتجار بالبشر، إلى أن "هذه الجريمة هي أسرع أشكال الجريمة المنظمة نموا، وإن الاتجار بالبشر هو من أكثر الأسواق عالمية على الأرض، وأنه ليس هناك دولة في العالم بمنأى عنها في الغالب". فانهيار الكتلة الشيوعية وتنامي بؤر الصراعات المسلحة، سواء الداخلية أو الدولية، ووجود العديد من مناطق العالم التي تعاني من الاضطرابات الداخلية، وعدم الاستقرار، هذا كله شكل عاملا مساعدا على نمو الظاهرة، كما شكل موردا متجددا من الضحايا تنهل منه عصابات الجريمة المنظمة من أجل تحقيق مبالغ طائلة من وراء استغلال هؤلاء الضحايا، سواء عن طريق تجنيدهم أو نقلهم قسرا أو اختطافهم أو الاحتيال عليهم بغرض استغلالهم في نشاطات غير مشروعة، كأشكال الاستغلال الجنسي أو الرق أو السخرة أو الخدمة قسرا أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء.
إن الاتجار بالبشر عملية معقدة ومتعددة الوجوه ترتبط بكثير من العوامل المختلفة ذات الصلة بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية السائدة، كما ترتبط وبشكل جوهري بالتغيرات العالمية التي تطال ليس فقط الأوضاع الاقتصادية بل أيضا تماسك الأسر وطبيعة العلاقات المعقدة التي تربط أفرادها.
الهجرة وتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر:
تحدث الهجرة في أنحاء مختلفة من العالم، تحركها عوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، وتشكّلها رغبة الأفراد بالبحث عن عمل أفضل أو فرصة أحسن للحياة. ويحدث الانتقال من بلد إلى آخر إما بشكل نظامي عبر الحدود الرسمية وباستخدام وثائق سفر قانونية أو بشكل غير نظامي عن طريق رشوة النقاط الحدودية أو المرور من نقاط حدودية غير نظامية أو باستخدام وثائق سفر مزورة. وفي كلتا الحالتين فإن الانتقال من بلد إلى آخر يتم بناء على رغبة الشخص وإرادته الكاملة.
لكن قد يحدث أن يغرّر بالإنسان فيهاجر مجبراً أو مقتنعا بوجود فرص عمل وهمية في بلد آخر. وغالبا ما يكون الوسطاء أفراداً محل ثقة من المجتمعات المحلية، وفي حالة استغلال الفتيات يمكن أن يقوم هؤلاء الأفراد بترغيب الأهل من خلال دفع مبلغ كمقدم لخدمات الفتاة. ومن هذه اللحظة تصبح الفتاة مرهونة لهذا الدَّين الذي يتضخم بعدد المرات التي تباع فيها، وتجبر على القيام بأعمال لا ترغب بها وفي ظروف غير إنسانية. وتنتهي الرغبة في الهجرة والبحث عن حياة أفضل إلى الوقوع في مصيدة تجار البشر.
ولعل من أهم التحديات التي تواجه هؤلاء الضحايا أن معظم القوانين لا تميز بين الشخص الضحية وبين المهاجر غير الشرعي، وبذلك وفي أحيان كثيرة تصبح الضحية مجرمة في نظر القانون وترحل إلى بلدها دون أي دعم معنوي أو مادي، وحتى دون أي مساعدة للتقدم بشكوى ضد الذين تاجروا بها. ويقصد بتعبير الاتجار بالأشخاص تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. يشمل الاستغلال، كحد أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء. كما يعتبر تجنيد طفل أو نقله أو إيواؤه أو استقباله لغرض الاستغلال اتجارا بالأشخاص.
ويمر الاتجار بالبشر بعدة مراحل :
المرحلة الأولى: تصيد الضحية تصل الضحية إلى أيدي التجار بطرائق متعددة أهمها الإكراه عن طريق الخطف أو التهديد أو بالتغرير بإعطاء وعود لفرص عمل أفضل. المرحلة الثانية: نقل الضحية يتم النقل بالإكراه تحت التهديد من خلال حجز حرية الحركة للضحايا وخاصة النساء والفتيات باحتجاز وثائق السفر. وغالبا ما تتعرض هؤلاء النساء إلى الاغتصاب خلال عملية النقل أو قد تباع المرأة أكثر من مرة قبل الوصول إلى الوجهة النهائية. ومن الطبيعي أن عملية النقل لن تتم دون أن يكون هناك تورط من رجال الأمن والهجرة عبر المعابر الحدودية.
ولا بدّ من الإشارة إلى أن الضحايا قد تسافر بمحض إرادتها انطلاقا من قناعتها أنها تسافر لفرص عمل وحياة أفضل. المرحلة الثالثة: الوصول إلى الوجهة النهائية. عندما تصل الضحية إلى الوجهة النهائية تجبر على العيش حياة كحياة العبيد وغالبا ما تجبر النساء والأطفال على الدعارة أو الزواج بالإكراه أو الانضمام إلى مجموعات منظمة من المتسولين. وتفقد الضحية حريتها في تقرير مصيرها لتستمر بالعيش تحت التهديد بتسليمها للسلطات المسؤولة في ظروف غير إنسانية.
لقد عُني المجتمع الدولي ومنذ فترة مبكرة من تاريخه المعاصر بمواجهة ظاهرة الاتجار بالبشر، وأبرم لذلك العديد من المعاهدات الدولية طوال العقود الماضية، والتي تجرّم هذه الأفعال وتحظرها وتفرض التزاما على الدول الأطراف التي يقع عليها أيضاً عبء معاقبة المرتكبين للجرائم والأفعال المحظورة بمقتضى تلك الاتفاقيات، فضلاً عن الالتزام القانوني العام بتوفيق التشريعات الوطنية وتعديلها لتتواءم مع المعاهدات الدولية والتي تعد القانون الأسمى الذي ينبغي أن يسمو ويسود على جميع النصوص والقوانين الأخرى عملاً بالقواعد القانونية السائدة والمستقرة حول هذه المسألة.
وتبين الوثائق والاتفاقيات الدولية أنه قد استقرت في القانون الدولي قاعد آمرة لا يجوز مخالفتها وهي حظر الاتجار بالبشر وخصوصا النساء والأطفال، وأن هذه القاعدة ملزمة حتى للدول التي لم تصادق على الاتفاقيات المذكورة، لأنها تتعلق بالنظام العام الدولي، وتبعاً لذلك فإن أي دولة تتهاون في مكافحة الاتجار بالأشخاص ستكون عرضة لتحمل المسؤولية الدولية حتى ولو كان قانونها الداخلي يبيح مثل تلك الممارسات.
ذلك أن القاعدة القانونية المستقرة في القانون الدولي تؤكد أنه لا يجوز لدولة أن تحتج بتشريعها الداخلي للتهرب من تنفيذ التزاماتها الدولية وهو ما سبق وأكدته اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، وتبعاً لذلك فإن بعض فقهاء القانون الدولي يرون وبحق أن الدول التي تبيح قوانينها البغاء الرسمي ملزمة بموجب القانون الدولي بإلغاء هذا البغاء لأن أضراره الاجتماعية والصحية والأخلاقية لا تقل عن أضرار الاتجار بالمرأة عن طريق استغلالها واسترقاقها.
النساء الأكثر تعرضا
في غياب الإحصائيات الدقيقة، يصعب التحدث عن حجم ظاهرة الاتجار بالبشر، إلا أن جميع الدلائل تشير إلى أن الأطفال والنساء يشكلون معظم ضحايا هذه الظاهرة. تتشارك الضحايا نساء ورجالا بحجم المعاناة الناجمة عن أوضاعهم غير القانونية بالإضافة إلى ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. وتتجلى هذه المعاناة بالاستغلال المادي والصحة المتدهورة وحجز الحريات واختراقات حقوق الإنسان المتعلقة بالأجور وطبيعة العمل وظروفه، غير أن حجم المعاناة لدى النساء يكون أكبر بكثير وخاصة أن النساء غالبا ما يكن الفئة الأكثر ضعفا حتى في مجتمعاتها الأصلية.
تعتبر العولمة من أهم الأسباب الموهية للاتجار بالنساء إذ غالبا ما توضع سياسات واستراتيجيات التنمية في الدول المصدرة بناء على التوزيع الجندري لقطاع الأعمال في المجتمعات، حيث يتولى الرجل القطاع الإنتاجي في الحياة العامة ويناط بالنساء أعمال القطاع غير المنظم. الأمر الذي يؤدي إلى تهميش قدرة النساء على الوصول إلى فرص العمل والتعليم، ويكرس من تبعيتها المادية للرجل. أما إذا عملت في القطاعات المنظمة، فإمّا بأجور أقل أو بمراتب وظيفية أدنى من الرجل. وفي ظل العولمة، تفاقمت أوضاع النساء سوءا وذلك كنتيجة للإجراءات التي فرضتها العولمة، إذ ألقى تقليص دور القطاع العام وسياسة خفض المصاريف بظلاله على المرأة، إذ أن معظم موظفي القطاع العام من النساء. كما أدى البحث عن مصادر رخيصة للإنتاج في الدول النامية إلى نمو متزايد للقطاع غير النظامي في مجال الصناعات والخدمات. وكما هو معلوم فإن القطاع غير النظامي هو قطاع غير آمن لا يحمي العاملين فيه، ذو أجور منخفضة، معظم عامليه من النساء، الأمر الذي قد يدفع بالنساء إلى البحث عن فرص عمل أفضل و بالتالي الوقوع في مصيدة تجارة البشر. كما يدفع انخفاض عائدات الضرائب والتجارة الحكومات إلى تقليل دعمها للخدمات الصحية والتعليم ورعاية الأطفال وغالبا ما تناط هذه الوظائف بالنساء . وباختصار لقد أدى الانتقال من النظام الاقتصادي المركزي إلى النظام الاقتصادي الحرّ في بعض الدول لآسيوية ودول شرق أوربة إلى خلل في التركيبة الاقتصادية الاجتماعية وأدى أيضا إلى زيادة الحرمان في تلك المجتمعات. ودفع التهميش المؤسساتي أعدادا كبيرة من النساء والفتيات إلى حلقة مفرغة من الفقر والحرمان من خدمات التعليم والصحة .
في الدول المستقبلة أحدثت العولمة في القطاعات الاقتصادية تغيرات عديدة أدت إلى خلق احتياجات جديدة للعمل النسائي في القطاع الزراعي، إنتاج الأطعمة، الصناعات المختلفة وغيرها من الأعمال التي تقع في أسفل سلم القطاع غير المنظم. كما أدى تطور قطاعات اقتصادية معينة تتطلب عمالة نسائية، الأمر الذي أدى إلى تحديد جندري مهني فالتغيرات الاقتصادية الحادثة في ظل العولمة وإفلاس أصحاب المنشآت الصغيرة قد أدت إلى انتقال الكثير من أعمال هذه المنشآت إلى أعمال هامشية في القطاع غير النظامي، حيث تفضل النساء كعاملات في هذا القطاع انطلاقا من النظرة التقليدية للنساء كفئة تعاني ضعفا في التمكين الاقتصادي لذلك تسهل السيطرة عليها وإجبارها على القيام بالأعمال التي يرفضها الآخرون. وفي ظل ازدياد الحاجة للعمال الأجانب في العمل المنزلي وتقديم خدمات الرعاية وانطلاقا من الدور التقليدي للنساء في المجتمعات كمقدمات للخدمة المنزلية والرعاية، تصبح النساء المفضلات لتقديم هذه الخدمات في ظل غياب الأطر القانونية والتشريعية المنظمة والحامية. كما ازدادت تجارة الجنس في العالم ببلايين الدولارات تلك التجارة التي تقوم على أيديولوجية ذكرية تمييزية، وتعتبر الجنس حقّا للرجال فقط يقتصر دور النساء فيه على تقديم الخدمات .
ومن نافلة القول أن الانفتاح الاقتصادي الذي شهده العالم في ظل العولمة قد رافقه تشدد في سياسات الهجرة والسفر بين الدول مما أدى إلى إعطاء تجار البشر فرصة ذهبية لاستغلال حاجات النساء للسفر والعمل وخاصة اللواتي يعشن في مناطق نائية وينقصهن التعليم والخبرة. أخيرا لا بدّ من الإشارة إلى تدهور القيم الإنسانية وتراجع قيمة الإنسان أمام الرغبة بالربح السريع مما أدى إلى اختراقات كثيرة لحقوق الإنسان .
ويلعب العنف ضد النساء والتمييز بين الجنسيين، دورا أساسيا في تعريض الفتيات والنساء لخطر الاتجار، إذ ما تزال قيمة الفتاة في كثير من المجتمعات أقل من قيمة الذكر، مما يعرض الفتاة لكثير من التمييز ويسمح لأهلها بمقايضتها بمبلغ زهيد مقابل زواج من شخص كبير أو غير معروف وما تزال العادات والتقاليد في دول كثيرة من العالم تحمّل المرأة مسؤولية الحفاظ على الأسرة والتضحية من أجلها، حتى لو كان الثمن بيع الفتاة أو عملها في الدعارة. و خاصة في ظل ظروف الكوارث الطبيعية والحروب وتفكك الأسرة. وبالإضافة إلى العامل الاقتصادي فإنّ كثيرا من الفتيات الشابات يصبحن ضحايا بسبب رفضهن لواقعهن ومحاولتهن التمرد عليه، وبخاصة اللواتي يعملن بالزراعة في المناطق الريفية. كما إن النساء المعرضات للعنف الأسري هن أكثر استعدادا للوقوع في شباك تجار البشر.

قوانين تجسد ملكية المرأة للرجل يحل للرجل اغتصاب زوجته و39% من النساء يغتصبن

لم تعد المساحيق قادرةً على إخفاء معالم القهر والضرب التي أصبحت تطال ملامح من وجهها، جعلها تقف مراراً أمام أحد أمرين، إما أن تختبئ متواريةً عن الأنظار، أو أن تبوح بمشكلتها، وأي مشكلة تلك التي لا صدى لها سوى قهقهاتٍ وبضعةُ كلماتٍ تطالبها بالصبر والتحمُّل، سمعتها كثيراً من أمّها وأخواتها إلى أن قررت طرح مشكلتها أمام محاميةٍ لترفع دعوى ضد زوجها.
وهنا باحت (سهام-ص) بما يجري معها دوماً، فهي تتعرض للاغتصاب كل ليلةٍ والمغتصب هو زوجها!.
وضعت المحامية قلمها جانباً وقالت لها: سيدتي أعتذر منك فقضيتك غير واردة في قوانيننا، فأنت قطعةٌ من أملاكه، إنك زوجته يحلّ له أن يفعل بك ما يشاء..والقانون يبيح له ذلك وقدمت لها المادة القانونية (489) التي جاء بها قانون العقوبات السوري والتي تقول: "1-من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمس سنوات على الأقل".
أما المادة (490) فتقول:" يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من جامع شخصاً غير زوجه لا يستطيع المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوه من ضروب الخداع".
وشرحت لها نصوص المادتين، فالعقوبة تطال المغتصب إذا اغتصب غير زوجه بمعنى أن الزوجة يحل له أن يغتصبها، بالقانون، ولو كانت الزوجة لا تستطيع المقاومة لعجزٍ نفسي أو جسدي أو بالخداع، فهو يحل له أن يجامعها.
وخرجت مصطحبةً دموعها بانتظار ليلةٍ أخرى تغتصب بها والقانون متنحياً إلى جانب الزوج صاحب الملك.
وسهام لم تكن المرأة الوحيدة التي تعاني من اغتصاب الزوج بأشكاله المتعددة فتقول (لانا-ك): كنت أعتبر أن من حق زوجي أن يعاشرني متى شاء ولو كان ذلك خارجاً عن رغبتي، فهذا حقه الذي شّرعه الله له، لكن طالما شعرت بالقهر والذل فطريقة الإجبار تلك أبعدتني عن المتعة وعن الشعور بالحب فأصبح الأمر فريضةً، وفي إحدى المّرات رفضتُّ لكنه رماني على السرير واغتصبني اغتصابا وعانيت بعدها أياماً من الكدماتِ التي ترك أثرها هذا الفعل.
أما (ثناء-ع) فقد كان زوجها لا يحبّذ معاشرتها إلا اغتصاباً فهذه كانت تسعده أكثر، وحاولت أن تشتكي على ذلك الفعل فقالوا لها إن هذا الفعل لا يعاقب عليه بالقانون لأنك زوجته، لكن يمكنك أن تشتكي على الضرب إذا أحدث عاهة أو ظهرت معالمه على جسدك.
هذه نماذج من قصصٍ كثيرة تعاني منها العديد من النساء، ففي استبيان قامت به لجنة دعم قضايا المرأة في سورية وزّع على نحو مئة امرأة تبين أن حوالي 39% من النساء يغتصبن من قبل الزوج. وهذا ما أدلت به الجمعية في يوم العنف الواقع على المرأة ما يشكل عنفاً جنسياً. وهو أحد أنواع العنف المرتكب ضد النساء، لكن هذا النوع من العنف يحميه القانون. فاغتصاب الزوجة يجوز بحكم القانون. وبحكم المجتمع بحجة أن الشريعة الإسلامية تعطي الرجل حق الولاية على المرأة لتعتبر جزءاً من أملاكه. وهذا ما ينفيه الشيخ (وليد فليون) الذي يؤكد أن الإسلام بريء من اعتبار المرأة متعة أو متاعا للرجل يحل له أن يفعل بها كما يشاء، لكنه يعترض على استخدام كلمة اغتصاب زوجي لأنه لا يوجد اغتصاب بين الأزواج إنما هو عنف جنسي حيث يقول:"استعمال عبارة الاغتصاب الزوجي غير دقيقة إنما الأصح استخدام لفظ العنف الجنسي".
أما بالنسبة لمن يقولون أن من حق الزوج أن يعاشر زوجه متى شاء ولو بعيداً عن إرادتها وأن رفضها يعرضها لعقوبة إلهية، فهذا كلام مرفوض فيقول الشيخ فليون: "لا صحة لما ورد في الحديث المنسوب إلى النبي من أن الزوجة إذا دعاها زوجها لممارسة الجنس فامتنعت فإنها تلعنها الملائكة حتى تصبح، ذلك أن اللعن في الشريعة لا يكون إلا بسبب ارتكاب كبيرة من الكبائر كالشرك بالله والقتل فكيف نسوّي بينهما؟!"
ويتابع ليقول: "اعتبر الإسلام زوجة الرجل جزءاً منه (من أنفسكم أزواجاً) وأكد على أن السكينة هي الإطار الصحيح الذي ترسم بداخله علاقة الفراش (لتسكنوا إليها) ولا شك في أنه لا وجود لأدنى تناسب بين العنف والسكينة". وأكد في حديثه على احترام الإسلام لهذه العلاقة فشرّعها ونظمها بما يحمي الطرفين ويجعلهما بمكانة واحدة. فالإسلام برئ من تهمة التواطؤ مع اعتبار المرأة ملكاً ومتاعاً للرجل.
أصوات كثيرة تطالب بحماية المرأة من أشكال العنف
كثيرة هي الأصوات التي دافعت عن حق المرأة وضرورة حمايتها من العنف بأشكاله القانوني والنفسي والاجتماعي والجنسي والجسدي، لكن القانون دائماً يقف بالمرصاد فهاهو جامد في مكانه لا يتحرك منذ أكثر من خمسين عاماً في مواضيع كثيرة من ضمنها الاغتصاب، حيث تؤكد الناشطة في قضايا المرأة (سوسن زكزك) أن وجود مادة قانونية تقول من أكره غير زوجه تعطي أن هذا الاغتصاب حق للرجل بالقانون، وهذه تتنافى مع طبيعة العلاقة الزوجية وهي العلاقة الحميمية، وهي لا تحوي اغتصابا أو إكراها، فهو عكس المطلوب والمقصود من العلاقة الزوجية، وانه عنف جنسي يقع على المرأة ورفع الاغتصاب شكل من أشكال تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لأنه عنف جنسي على النساء فهي واردة في الإعلان العالمي الذي صادقت عليه سورية، أما عن طريقة معالجة ذلك فتقول:"يجب وجود قانون عنف أسري ينص صراحة على هذا الموضوع وقانون أسرة يستعيض عن مفهوم (عقد النكاح) إلى (زواج شراكة) بين شريكين متساويين في كل شيء، وهذا العقد الموجود يكرس الاغتصاب الزوجي، لأنه يركّز على مفهوم عقد النكاح خلال ممارسة الجنس بدون إرادتها لأنها من أملاكه، وأحياناً يوجد اغتصاب بشكل آخر وهو أنها تعتبر أن للزوج حقا في أن يمارس معها كيفما ومتى شاء، وهي تقبل إما لأن هذا حقه لمفاهيم خاطئة مكرسة في المجتمع والدين، أو لأنها تريد اتقاء غضبه. وهذا شكل من أشكال الإساءة وعلينا أن نعمل على حماية المرأة، ويمكننا أن نستفيد من تجارب دول أخرى حمت المرأة ويمكنني القول أنه لا توجد أي دولة عربية تعاقب على هذا الفعل".
وإذاً لازالت قوانيننا تحفظ في طياتها الكثير من التمييز ضد المرأة وكذلك المجتمع، رغم اتفاقية حقوق المرأة (السيداو) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان اللتين صادقت عليهما سورية والعديد من الدول العربية، ومازالت القوانين الموجودة قاصرة عن هذه الاتفاقيات.
فتلك المرأة المنتهكة حريتها وقيمتها الإنسانية لن تستطع أن تبني مجتمعا صحياً، بالإضافة إلى أن ذلك ينتهك حقها كإنسانة ومواطنة، وعلى القانون أن يضمن لها مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات إن أردنا مجتمعا حرّا ومتطورا.
وفي البيوت قصص وحكايا يقفل عليها بالمزلاج، ونساء لا يجدن ملجأً يحميهن في كنف قانونٍ يعتبرهن ملكاً ناقصات ولاية.

الحياة السريّة للمثليّين جنسيًا في الجزائر المجتمع يظلمنا والإسلام صريح في التعامل معنا

من الصّعب التطرّق لموضوع المثليّة الجنسيّة في الجزائر، باعتباره من الطابوهات التي يرفض المجتمع الإقرار بها. حيث يتحاشى الكثيرون التعاطي معها وتنحاز الغالبية إلى إنكارها ونفي وجودها رغم ملاحظة توسّع رقعتها وتزايد أعداد المنتسبين إليها، وقد اقتربنا منهم وحاولنا التغلغل إلى عوالمهم الخفيّة لتنقل صورة أكثر واقعيّة عن حياة المثليين جنسيا في الجزائر وسبل تفكيرهم، سواء كانوا ذكورا أم إناثا…

من الصدف أنّ فكرة الغوص في عالم المثليين جنسيًا في الجزائر انطلقت من بيروت، هناك ٳلتقينا، قبل حوالي الأسبوعين بأحد مقاهي شارع الحمراء، شابّا سندعوه (لضروريات أخلاقية) حسن (27 سنة). انطلق حديثنا مع حسن من مسرحية "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" التي أخرجها مؤخّرا المسرحي العراقي جواد الآسدي، قبل أن نكتشف تدريجيا، وبعد التعريج على عدد من المواضيع المختلفة، حقيقة كونه عضوا في جمعية "حلم" للدفاع عن حقوق المثليين جنسيا في لبنان. عرّفنا حسن عن بعض نشاطات الجمعية والتزامها بالدفاع عن المثليين قبل أن يتساءل: "وكيف هي أوضاع المثليين جنسيًا في الجزائر؟". في الحقيقة لم نجد إجابة عن تساؤل محدّثنا وقد أدرك بسرعة تلعثمنا وواصل: " في اعتقادي أنّ وضع المثليين جنسيًا في الجزائر بدأ في التحسّن خلال الفترة الأخيرة". التزمنا الصمت قبل أن يضيف حسن: "هنالك كثير من المنتديات الإليكترونية والمجموعات النشطة على الإنترنيت إضافة إلى امتلاك المثليين في الجزائر موقعا إليكترونيا". كم هو مخجل أن نكتشف أنّ أجنبيا يعرف بعض التفاصيل الحياتية نجهلها نحن عن بلدنا. دام لقاؤنا مع حسن حوالي الساعة والنصف، ٲطلعنا خلالها عن بعض أوضاع المثليين جنسيا في دول عربية ومعاناتهم الدورية، التشريعات القاضية بإعدامهم في العربية السّعودية، وتجريمهم في الأردن ومصر أين دارت، علنيًا، كثير من قضايا محاكمة المثليين، قبل أن يسرّ إلينا عن جانب من علاقته مع مثليّين جنسيا من الجزائر، ويمنحنا، تحت إلحاح الطلب، العنوان الإليكتروني لأحد المثليين جنسيا الجزائريين، وأحد الناشطين في الدفاع عن حقوقهم، والمنخرط في تفاعل متواصل مع جمعية "حلم".


بالعودة إلى الجزائر، دخلنا في تواصل مع "م" (الذي سندعوه أنور). تبادلنا بعض الرسائل الإليكترونية قبل أن نحدد موعدا. وبالفعل، يوم الأحد، في حدود الرابعة بعد الزوال، التقينا أنور بأحد مقاهي شارع حسيبة بن بوعلي، بالجزائر العاصمة. وجدنا أنفسنا في مواجهة شابّ، بقامة متوسّطة، حليق الذقن، يرتدي قميصا أحمر ضيّقا جدّا، سترة شتوية، وبنطلون جينز أسود. عرفنا إلى شخصه وأخبرنا أنه طالب في السنة الرابعة، تخصص رياضيات. ساد، في البداية، الصمت بيننا، قبل أن يقتلع منا تعهّدا بعدم كشف هويته مقابل الإجابة عن مختلف الأسئلة التي تراود ذهننا حول حياة المثليين جنسيًا في الجزائر. تردّدنا في اختيار موضوع بداية الحديث، وراح أنور يحدّثنا عن اهتماماته بالمنتخب الوطني لكرة القدم ومباريات كأس العالم المقبل وضجره من مغالاة البعض في تشجيع "الخضر". ثم العودة، بسرعة، إلى محور لقائنا والقول: "ألا ترى أنّني شخص طبيعيّ جدّا؟ لست مصّاص دم؟". عاد بنا إلى علاقته الإليكترونية مع جمعية "حلم" اللبنانيّة وتأسّفه لنظرة المجتمع الجزائري المزدرية لفئة المثليين جنسيًا. حاولنا الدّفاع عن النظرة الاجتماعية من خلال إسنادها إلى التأويل الدّيني وتذكير أنور بالآية القرآنية، الواردة في سورة العنكبوت: " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ". نظر إلينا أنور وأجاب "أرجوك أكمل الآية" فكان له ما شاء: " أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ". وهنا جاءت إجابة محدّثنا بلهجة تحمل يقينا قائلا: "بحسب تفسير الطبري فإنّ قوم لوط كانوا يرمون عابر السبيل بالحجارة فأيّهم أصاب كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرّمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك "مضيفا" بالتالي فإنّ عقاب قوم لوط كان عقابا على الإكراه والاغتصاب وقطع الطريق والسّلب ولم يكن عقابا على المثليّة". تبيّن لنا، لاحقا، أنّ كثيرا من المثليين جنسيا في الجزائر يحملون التفسير نفسه، والمثير أكثر أنّ أنور كان مشبعا بالثقافة الإسلامية ومطّلعا على ما يتعلّق بحياة أمثاله حيث خاطبنا: "يتضمّن القرآن ثلاثة وثلاثين آية تتحدّث عن المثلية الجنسية، ولكن العقاب غير صريح وهناك تأويلات مختلفة"، قبل أن يختتم كلامه بالإشارة إلى أنّ المثلية الجنسية تعاقب بالموت في أربع دول عربية هي السودان، موريتانيا، السّعودية واليمن.