27‏/06‏/2011

الحياة السريّة للمثليّين جنسيًا في الجزائر المجتمع يظلمنا والإسلام صريح في التعامل معنا

من الصّعب التطرّق لموضوع المثليّة الجنسيّة في الجزائر، باعتباره من الطابوهات التي يرفض المجتمع الإقرار بها. حيث يتحاشى الكثيرون التعاطي معها وتنحاز الغالبية إلى إنكارها ونفي وجودها رغم ملاحظة توسّع رقعتها وتزايد أعداد المنتسبين إليها، وقد اقتربنا منهم وحاولنا التغلغل إلى عوالمهم الخفيّة لتنقل صورة أكثر واقعيّة عن حياة المثليين جنسيا في الجزائر وسبل تفكيرهم، سواء كانوا ذكورا أم إناثا…

من الصدف أنّ فكرة الغوص في عالم المثليين جنسيًا في الجزائر انطلقت من بيروت، هناك ٳلتقينا، قبل حوالي الأسبوعين بأحد مقاهي شارع الحمراء، شابّا سندعوه (لضروريات أخلاقية) حسن (27 سنة). انطلق حديثنا مع حسن من مسرحية "لماذا تركت الحصان وحيدا؟" التي أخرجها مؤخّرا المسرحي العراقي جواد الآسدي، قبل أن نكتشف تدريجيا، وبعد التعريج على عدد من المواضيع المختلفة، حقيقة كونه عضوا في جمعية "حلم" للدفاع عن حقوق المثليين جنسيا في لبنان. عرّفنا حسن عن بعض نشاطات الجمعية والتزامها بالدفاع عن المثليين قبل أن يتساءل: "وكيف هي أوضاع المثليين جنسيًا في الجزائر؟". في الحقيقة لم نجد إجابة عن تساؤل محدّثنا وقد أدرك بسرعة تلعثمنا وواصل: " في اعتقادي أنّ وضع المثليين جنسيًا في الجزائر بدأ في التحسّن خلال الفترة الأخيرة". التزمنا الصمت قبل أن يضيف حسن: "هنالك كثير من المنتديات الإليكترونية والمجموعات النشطة على الإنترنيت إضافة إلى امتلاك المثليين في الجزائر موقعا إليكترونيا". كم هو مخجل أن نكتشف أنّ أجنبيا يعرف بعض التفاصيل الحياتية نجهلها نحن عن بلدنا. دام لقاؤنا مع حسن حوالي الساعة والنصف، ٲطلعنا خلالها عن بعض أوضاع المثليين جنسيا في دول عربية ومعاناتهم الدورية، التشريعات القاضية بإعدامهم في العربية السّعودية، وتجريمهم في الأردن ومصر أين دارت، علنيًا، كثير من قضايا محاكمة المثليين، قبل أن يسرّ إلينا عن جانب من علاقته مع مثليّين جنسيا من الجزائر، ويمنحنا، تحت إلحاح الطلب، العنوان الإليكتروني لأحد المثليين جنسيا الجزائريين، وأحد الناشطين في الدفاع عن حقوقهم، والمنخرط في تفاعل متواصل مع جمعية "حلم".


بالعودة إلى الجزائر، دخلنا في تواصل مع "م" (الذي سندعوه أنور). تبادلنا بعض الرسائل الإليكترونية قبل أن نحدد موعدا. وبالفعل، يوم الأحد، في حدود الرابعة بعد الزوال، التقينا أنور بأحد مقاهي شارع حسيبة بن بوعلي، بالجزائر العاصمة. وجدنا أنفسنا في مواجهة شابّ، بقامة متوسّطة، حليق الذقن، يرتدي قميصا أحمر ضيّقا جدّا، سترة شتوية، وبنطلون جينز أسود. عرفنا إلى شخصه وأخبرنا أنه طالب في السنة الرابعة، تخصص رياضيات. ساد، في البداية، الصمت بيننا، قبل أن يقتلع منا تعهّدا بعدم كشف هويته مقابل الإجابة عن مختلف الأسئلة التي تراود ذهننا حول حياة المثليين جنسيًا في الجزائر. تردّدنا في اختيار موضوع بداية الحديث، وراح أنور يحدّثنا عن اهتماماته بالمنتخب الوطني لكرة القدم ومباريات كأس العالم المقبل وضجره من مغالاة البعض في تشجيع "الخضر". ثم العودة، بسرعة، إلى محور لقائنا والقول: "ألا ترى أنّني شخص طبيعيّ جدّا؟ لست مصّاص دم؟". عاد بنا إلى علاقته الإليكترونية مع جمعية "حلم" اللبنانيّة وتأسّفه لنظرة المجتمع الجزائري المزدرية لفئة المثليين جنسيًا. حاولنا الدّفاع عن النظرة الاجتماعية من خلال إسنادها إلى التأويل الدّيني وتذكير أنور بالآية القرآنية، الواردة في سورة العنكبوت: " وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ". نظر إلينا أنور وأجاب "أرجوك أكمل الآية" فكان له ما شاء: " أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ". وهنا جاءت إجابة محدّثنا بلهجة تحمل يقينا قائلا: "بحسب تفسير الطبري فإنّ قوم لوط كانوا يرمون عابر السبيل بالحجارة فأيّهم أصاب كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرّمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك "مضيفا" بالتالي فإنّ عقاب قوم لوط كان عقابا على الإكراه والاغتصاب وقطع الطريق والسّلب ولم يكن عقابا على المثليّة". تبيّن لنا، لاحقا، أنّ كثيرا من المثليين جنسيا في الجزائر يحملون التفسير نفسه، والمثير أكثر أنّ أنور كان مشبعا بالثقافة الإسلامية ومطّلعا على ما يتعلّق بحياة أمثاله حيث خاطبنا: "يتضمّن القرآن ثلاثة وثلاثين آية تتحدّث عن المثلية الجنسية، ولكن العقاب غير صريح وهناك تأويلات مختلفة"، قبل أن يختتم كلامه بالإشارة إلى أنّ المثلية الجنسية تعاقب بالموت في أربع دول عربية هي السودان، موريتانيا، السّعودية واليمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق